المادة    
الشيخ: وحتى يهيئ الإخوة والأخوات الكرام ما لديهم من -لا أقول: أسئلة بقدر ما أقول- ملاحظات أو تنبيه أو لفت نظر أو ما أشبه ذلك. ‏
  1. التساؤل الخاطئ الذي توضع فيه قضية المرأة

    الشيخ: أنا أريد ألفت النظر إلى مسألة واحدة فقط، يمكن أن تكون مدخلاً لكثير من البحوث التي تتعلق بمسألة المرأة، وهي أيها الإخوة والأخوات: أن السياق الذي توضع فيه قضية المرأة هو خطأ من أصله, بمعنى آخر: إذا كان السؤال خطأ فمن المحتمل إذا أجبت عليه أن تخطئ؛ بل لا بد أن تخطئ إذا كان السؤال نفسه خطأ، ونحن الآن وُضِعْنا أمام الغرب والعالم, وفي وسائل الإعلام, وفي العداء الخارجي من جهة، وما يكتبه المنافقون من أبناء الإسلام أو المنتسبين إليه من جهة أخرى، وُضِعْنا في السؤال الخطأ. السؤال الخطأ هذا هو: هل أنتم مع المرأة أو ضد المرأة؟
    وهكذا كل ما يتفرع عن هذه القضية فهي يمكن أن تصنف بهذا الشكل، حتى في لقاءات مع كبار سن أو مع صغار أو مع مثقفين؛ وعندما تصنف الحكومات أو الأنظمة أو القوانين؛ وعندما يُتَحَدث عن أعمال خيرية أو دعوية .. إلى آخره، تصبح القضية: أنت مع المرأة أو ضد المرأة ؟! والسؤال خطأ والإجابة غالباً ما تكون خطأ؛ لأن السؤال خطأ.
    وأذكر من الأمثلة البسيطة: لما كنا في مراحل الدراسة الأولى كان المدرس إذا أراد أن يختبرنا مثلاً يقول: عاصمة بريطانيا هي باريس أو مدريد؟ فإذا أجبت بأي الجوابين أنت مخطأ طبعاً؛ لأنها ليست لا هذه ولا هذه. وهكذا في كثير من العلوم.
    من هذه البدايات البسيطة نستنتج الخطأ؛ عندما توضع المجتمعات الإسلامية وتدمغ بدمغة تاريخ طويل من الصراع الفكري والحزبي والجنسي -يعني: بين الجنسين- في الغرب، ويراد منا نحن أن نحدد موقفاً معيناً من قضية نحن لم نشارك فيها؛ ولم نخضها، ولا علاقة لها بتاريخنا ولا بديننا ولا بقيمنا، ولكن مطلوب منك أن تجيب بنعم أو لا!.
    لو كان السؤال بشكل آخر, لو كانت المسألة مسألة مع أيٍ تقف أنت، ولا نقول: المرأة أو الرجل؛ بل هل أنت مع الظالم أو مع المظلوم؟
    فلا يختلف اثنان أبداً في الجواب: أنه يجب أن نكون -من أي مسلم بالذات- نحن مع المظلوم على الظالم، نحن ننصر المظلوم بقدر ما نستطيع أياً كان.
  2. الموقف الصحيح في قضية المرأة ونيلها لحقوقها

    الشيخ: عندما ننظر إلى قضية المرأة، وكيف يمكن أن تعطى حقوقها، لا ينبغي أن ننساق وراء أن هناك قضية امرأة، وأن المرأة في مقابلها الرجل، فهذا خطأ في البدايات، وبالتالي يستتبع منا أخطاء كثيرة في المعالجة. القضية عندنا نحن هي قضية "من المرأة" أصلاً التي يقول عنها الغرب وأولياؤه: إنها المرأة! من هي؟ إذا كان الكلام عن الأم، فمن منا يناقش في قضية الأم. إذا كان الكلام عن البنت، فمن منا يتحدث عن زينة الحياة الدنيا التي هي أجمل زينة؛ والتي نشاهد جميعاً أنه ما من أب له ابنة إلا يراها تعادل عنده الدنيا كلها أو أكثر. إذا كانت القضية قضية الزوجة، فهل هناك من يستطيع أن ينصف زوجتي أكثر مني! أو من يمكن على حقيقة الأمر وفي واقعه أن يعلم هل أنا ظالم لها أو غير ظالم؟! ولو كان أخص وأقرب قريب لي لا يستطيع ذلك، إلا إذا كان الرقيب علي في هذا هو الله تبارك وتعالى، وهو الذي أخشى أن يحاسبني وأن يجازيني, وهي كذلك أيضاً من حق الزوج عليها. هنا تتغير النظرة كلياً إذا نحن أصلنا القضية في السؤال وفي الجواب بالتأصيل الإسلامي الشرعي الصحيح.
  3. أثر التنافس والصراع في الغرب حول المرأة

    الشيخ: عندما يتحول الغرب إلى كتل وهذه قصته وحضارته وهذا شأنه، ولو أن لدي ولديكم وقتاً كان من الممكن أن نشرح لكم أحداثاً طويلة جداً عن هذا الأمر، لكنها على أية حال لا يمكن لك إذا قرأت تاريخ الغرب -الحضاري والفكري والسياسي والاجتماعي- إلا أن تجد هذه الظاهرة، فالغرب حياته كلها هي حياة صراع وتنافس حاد، التنافس الحاد هذا يؤدي إلى عملية استقطاب، فهناك في الغالب قطبان متنافران متنافسان، فتجد الحاكم يحرص على أن يكسب أكبر قدر ويأخذ من الشعوب، والشعوب تحاول أن تأخذ أكبر قدر من الحاكم، ورب العمل والعامل، والفقير والغني، والطبقات العليا والطبقات الدنيا، والحضارة الأرثوذكسية السِّلافية الشرقية والحضارة البروتستانتية الغربية الديمقراطية.
    حتى داخل الغرب نجد استقطابات وصراعات، ونجد اللون الأبيض أو اللون الآخر كما هو معروف في أمريكا و بريطانيا وأمثالها، ومن هنا أيضا تأتي مسألة الرجل أو المرأة، وتتحول القضية عددية، مثلاً: الدولة الفلانية عندها مجلس برلمان أربعمائة رجل منه عشرون امرأة، ما فارق الرقم؟! الدولة الفلانية فيها أربعون وزيراً منهن ثلاث نساء؛ فهذا قضية عددية رقمية ليس لها علاقة بماذا حقق أو ما الذي لم يتَحَقق.
  4. حال المرأة في الغرب

    الشيخ: ما وضع الأم هناك؟ أي أم تبدأ تقترب من سن اليأس أو العجز والضعف يبرز أمامها دائماً باستمرار دار العجزة؛ ولذلك يفزع كثير منهن إلى الانتحار أو الهروب، أو اللجوء إلى أي شكل من الأشكال كالمخدرات وما أشبه ذلك للهروب من الواقع، بسبب تصور دار العجزة. وفي المقابل لو تصورنا كيف حال الجدة والأم في المجتمع المسلم؛ لوجدنا أن كل امرأة في الغرب -ولو كانت ملكة- تتمنى أن تكون أماً أو جدةً في البيئة الإسلامية، حيث الصغير والكبير يحترمها في أي مناسبة. وعندي قصص كثيرة من الواقع المعاصر الآن في حياتنا، على سبيل المثال: أذكر أن امرأة تعمل قنصلة لدولة غربية معروفة، فدعيت إلى زواج هنا فحضرت، ففاجأها أمر غريب جداً، وهو كيف تعامل الجدات؟! كل الداخلات يدخلن ويسلمن على هذه الجدة ويحترمنها ويقدرنها، وما إن تشير إلى شيء إلا ويتسابق الجميع لخدمتها. فتمنت أن تكون أماً مسلمة أو جدةً مسلمة، ونحن قد لا نشعر بعمق هذه الأمنية وحجمها، لكن هي تعلم ذلك؛ لأنها في الثلاثينيات أو في الأربعينيات وتفكر أنها بعد عشرين سنة؛ سأكون مهملة ملقاة في دار العجزة أو ما أشبه ذلك. يعني: رقم وانتهى الرقم أو بهت، لا يأبه به أحد ولا يهتم به أحد.
  5. حاجة المرأة في الغرب إلى المنظمات التي تدافع عن حقوقها

    الشيخ: فلذلك هم في الغرب يحتاجون إلى تكتل نسائي لمقاومة ما يسمى التكتل الآخر الرجالي، ومن الطبيعة البشرية في التاريخ كله التي جعلها الله سنة في التاريخ أن تنشأ قوة مضادة من هنا وقوة مضادة من هنا، فينشأ من يدافع عن المعسكر النسائي من بين الرجال، كما ينشأ من يرتدُّ -كما يسمونه- من المعسكر النسائي ليقاوم الحركة النسائية.
    والآن من أقوى الحركات في أمريكا والتي يعوِّل الحزب الجمهوري عليها في الانتخابات -وربما تتابعون ذلك عن قرب هذه الأيام- هي الحركة النسائية المضادة، التي تنكر الإجهاض، وتنكر الشذوذ، وتنكر كثيراً مما يريد أصحاب الحركة النسائية -التي تتماشى تقريباً مع مقررات الأمم المتحدة- أن يفرضوه على المجتمعات، فأولئك ردة فعل محافظة ضد ردة فعل عنيفة على الرهبانية التي كانت في أوروبا.
  6. أساليب الإسلام البديلة عن المنظمات النسائية الغربية لنيل حقوق المرأة

    الشيخ: الذي أريد أن أقوله: أننا نربأ بهذه الأمة المباركة، ونربأ بأسرنا وبيوتنا ومجتمعاتنا وأمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا, ونربأ بأنفسنا جميعاً أن ندخل في خضم هذه الصراعات التي لا تنتهي، والإشكالات التي لا مخرج منها على الإطلاق، والتي تحولنا إلى صراع دائم بين حاكم ومحكوم، فهذا يحكم وهذا يعارض، ولا بد أن يغلب أحدهما الآخر، وبين عامل ورب عمل، وبين رجل وامرأة، فكأن كل ما يحققه الرجل من مكسب فهو على حساب المرأة، كما أنهم يرون أن كل ما يحققه العامل من ربح فهو على حساب رب العمل أو العكس.
    كل هذه ليست في الإسلام، في الإسلام نحن جميعاً نطيع الله ونتقي الله، ونحتسب في أن يرد بعضنا بعضاً عن ظلمه، وعن خطأه، فلو علمنا أباً عاقا لبناته أو زوجة عاقة لزوجها -ناشزاً- أو أياً من ذلك، فنحن في مجتمعنا الإسلامي نحرص بقدر الإمكان أن نحل الموضوع بأي طريقة من الطرق، كما بين الله تبارك وتعالى: (( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ))[النساء:114]؛ فربما نلقي موعظة عامة في مسجد ويسمعها هذا الأب ولم نخاطبه مباشرة، أو قد نرسل له رسالة شخصية، أو قد يتكلم معه من يثق فيه, وهكذا.
    لدينا وسائل كثيرة جداً لا علاقة لها بشيء اسمه "منظمات المرأة" أو مظاهرات ولافتات تخرج في الشارع، فلا يمكن أبداً أن تؤدي -هذه اليافطات والعناوين- إلى أن يرتدع الظالم عن ظلمه؛ بل يأتي هو أيضاً بالنوع المضاد, ولا تنتهي المشكلة بأي حال من الأحوال.
    لكن عندما تُخَاطب القلوب بما خاطبها الله تبارك وتعالى به، وعندما تُذكَّر بالله وتُوعظ فإنها تستجيب.
    ومن المَلاحِظ التي يراها كل من يقرأ في كتاب الله تبارك وتعالى: أنك تجد التركيز والتذكير والتكرار في "آيات التقوى" يأتي في سورة الطلاق والبقرة والنساء، وفي المواضع التي تتعلق بالأسرة, وبالعلاقة التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى, مثل: ما بين الأسرة، وبالذات ما بين الزوجين.
    تجد "التقوى" هي الحل المأمور به والمؤكد والمكرر؛ لأنه من غير تقوى لا ينفع أي شيء، فليحكم القاضي لكِ أو عليكِ أو لكَ أو عليكَ، فإذا لم يكن هناك تقوى لا يمكن أحد أن يلزم المرأة أن تلتزم, أو يلزم الرجل أن يلتزم.
  7. تميز المسلمين على الغرب بنور الوحي والقرآن

    الشيخ: ثم إنني أقول: إن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب لعلاج جذري لأمراض القلوب، فإذا كانت الأمم تلك العابثة المتصارعة المتناحرة تفتقد نور الوحي، ولم يمنَّ الله تبارك وتعالى عليها به، فما عذرنا نحن الذين نراه ونسمعه، ونعيش هذا النور بين أيدينا ونسمعه ولله الحمد؛ بل حتى القيم الاجتماعية الموجودة لدينا هي إلى حد ما وفي كثير من الحالات مستمدة أصلاً من هذه المعاني والمفاهيم والقيم التي نأخذها من كتاب الله سبحانه وتعالى، والتي عاشها الأنبياء والصالحون، وعاشها الآباء وعاشتها الأمهات من قبل، فكانت حياتهم تقوم على معاني كثيرة؛ ليست مجرد التعامل التجاري؛ كالقبض والأخذ أو سداد الدين والمحاسبة التي يريد الغرب أن يفرضها علينا، فيعش الحالة المادية التجارية في حياته العامة، ويريد أن يفرضها علينا حتى في مشاعرنا وعواطفنا ورغباتنا الشخصية والنفسية, لا, نحن لدينا رباط الحب والمودة، ورباط التقوى، ورباط الصبر ورباط الشيم والخلق، كثيراً ما تصبر المرأة على زوجها شيمة وخلقاً منها وصبراً، لأمر آخر ليس قضية الرباط الجسدي, ولا قضية الناحية المادية على الإطلاق، وكثير من الرجال أيضاً يتحمل من أجل هذا الشيء، منهم من ينظر إلى الأبناء، ومنهم من ينظر إلى الأخوال، ومنهم يتحمل حتى لا يقال: إنه طلق، وما أشبه ذلك، ويعلم أن هذه أمور مما يحفظ بها أسرته، فيصبر على مضض وعلى ملل وتكون عاقبة الصبر حميدة، وكم من امرأة شرسة أو رجل غليظ القلب انقلب بعد عِشْرة ما إلى الخير والصلاح والهداية، وهذه سنة الله تعالى، وبالصبر يحقق العبد ما لا يجده أبداً في مسألة البغضاء والشحناء والأحقاد التي يراد أن تصب علينا صباً. في الحقيقة المقدمة هذه التي ما كنت أريد أن تطول, هي حول مسألة: كيف نبدأ أو كيف ندخل في الصراع من أساسه, وكيف نتعامل مع معركة الشيطان وأوليائه من أولها دون أن ندخل في أعماقها وفي دوامتها, ثم لا نعرف ولا نستطيع الاهتداء أو العودة إلى الطريق القويم. مع الأسف الشديد أننا الآن نعيش في وضع يُفرض علينا المنهج الغربي, وتُفرض علينا المعركة الشيطانية فرضاً ومن غير إرادتنا، ومن هنا يجب أن نتنبه إلى مثل هذه المخاطر، فيجب أن تكون دائماً لدينا الرغبة الصادقة في تغيير واقعنا ليطابق ما أنزل الله تبارك وتعالى، أو الإرادة الجازمة لتكون لدينا هذه الإرادة لنمتثل ما أمر الله تبارك وتعالى به, وننتهي عما نهى الله تبارك وتعالى عنه، فبطاعته نهتدي ونحقق الخير والسعادة والفلاح، وبغير ذلك ندخل في دوامة لا تنتهي على الإطلاق.
  8. العلاقة بين حقوق المرأة والعقيدة الإسلامية

    الشيخ: فالمسألة مسألة اعتقاد.. مسألة إيمان.. مسألة أساس، أرجو ألا يظن بعض الإخوة والأخوات أنه لا يوجد في كتب العقيدة كلام عن المرأة، وليس في كتاب العقيدة كلام مثلاً عن تاريخ الأمم السابقة، أقول بكل صراحة ووضوح -ونحن مِن مَن عرف العقيدة وعايشها ودرسها ولا نزال والحمد الله- أقول يا إخوان: خذ عقيدتك الكاملة المتوازية من القرآن نفسه قبل أي كتاب، وهناك تجد أن ما ذُكر في القرآن وما كُرر وما استفاض الحديث فيه؛ فهو من أصول الإيمان والاعتقاد المهمة جداً، ومن ذلك هذه الأمور التي قد يظنها البعض مجرد فروع أو كأنها قضايا اجتماعية أو تاريخية؛ بل حتى أحياناً ما يتعلق بالأدب كأنها قضية أشكال أدبية أو شعرية أو نثرية.. إلى آخره.
    بينما لو أرجعنا كل هذه الأمور إلى كتاب الله سبحانه وتعالى؛ لوجدنا أن هناك أسساً لا يمكن على الإطلاق أن نتخلى عنها إلا وقد تخلينا عن جزء من إيماننا وعقيدتنا في الله سبحانه وتعالى، وفي هذا القرآن الحكيم، ومن ذلك: موضوع الجانب الذي يتعلق بالأسرة، -ولا نقول: المرأة والرجل؛ بل نقول: الأسرة عموماً- وما يتعلق بنجاح أو فلاح الأسرة, ثم نجاح وفلاح المجتمع الذي يتكون من مجموع هذه الأسر، ثم الرحمة العامة التي جعل الله تبارك وتعالى دين محمد صلى الله عليه وسلم باعثاً لها ورسالته هدفاً لها: (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ))[الأنبياء:107]؛ فينعم في ظل الإسلام من لم يسلم فكيف بمن أسلم.
  9. دور الحضارة الغربية في إفساد العادات القيمية كالحشمة

    الشيخ: وهذا هو الواقع الذي يشاهده أو يقارنه التاريخ البشري, فأهل الذمة والمستأمنون والقريبون من ديار الإسلام كلهم أَمِنُوا؛ بل كل الحضارة العالمية -ولا يوجد حضارة عالمية في التاريخ حقيقية إلا الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى مركزية عنصرية- أقول: نعمت البشرية جميعاً فيها؛ لأن المسلم أينما ذهب ينشر الفضيلة.
    عندما ذهب المسلمون إلى أجزاء كثيرة من أنحاء العالم للتجارة نشروا الإسلام، وتُسْلم القبائل أو الدول التي سكانها اليوم عشرات ومئات الملايين بعد أن كانوا عراة رجالاً ونساءً، يسلمون فيتحضرون؛ لكن الحضارة الغربية كما رأينا في جنوب شرق آسيا وغيره، دول كانت في غاية الحشمة وجاءت الحضارة الغربية فعرتها وجردتها من الحياء، وجردتها من الفضيلة.
    أذكر لكم مثالاً فقط لهذا: في الدول البوذية -مثل اليابان و كوريا وكثير من دول جنوب شرق آسيا- عندهم نوع من الحشمة تقليدية من قرون, لم يفقدوها على الإطلاق إلا بعد أن احتكوا بالحضارة الغربية؛ من هذا النوع: أن المرأة تتستر ولا تكاد تبدي إلا شيئاً من وجهها، وإذا التقى الرجل والمرأة في الطريق فمن آداب البوذية أن الرجل يجعل وجه جهة الجدار الأيمن مثلاً والمرأة جهة الجدار الأيسر حتى يعبرا الطريق فلا ينظر كل منهما إلى الآخر.
    حدثني بعض الإخوة ممن له شأن ووفقه الله للإسلام وهو من أهل الشأن الكبير في كوريا على سبيل المثال، يقول: حتى الآن هذه العادة لا تزال عندنا في الريف، وعندما نزل الأمريكان في تايلاند في بانكوك أيام حرب فيتنام وعندما جاء الاحتكاك بالغرب وأفلام الغرب وانحطاط الغرب، بدأت المظاهر الأخرى تتسلل إلينا وبدأ دعاة المحافظة يردون أن نبقى ونحافظ على قيمنا.
  10. الحشمة فطرة بشرية يجب الالتزام بها وتقديمها أنموذجاً للعالم

    الشيخ: المقصود: أن هذه القضية هي فطرة بشرية إنسانية والله سبحانه وتعالى علم هذه الفطرة أنبياءه جميعاً، ومن بقايا النبوة في العالم أن نرى بقايا الحشمة وبقايا الفضيلة، واحتقار الزنا واللواط والرذيلة وما أشبه ذلك هذا شيء يكاد يكون جمعاً عليه بين كل البشر الأسوياء في العالم. إذاً: نحن أحوج بلد, وأحوج أمة, وأحوج أناس، لا أقول: فقط أن نتمسك بالدون؛ بل أن تكون لنا الريادة والقيادة في الفضيلة، وفي جمع موكب أهل الخير، وقيادة أهل الإيمان والفضيلة في العالم كله؛ بحيث يفيء إلينا ويلتجئ إلينا كل من تحاصره الرذيلة، وكل من يهاجم في عقر داره للتخلي عن هذه القيم وهذه الأخلاق، حتى ولم لم يكن مسلماً, يجب أن تكون الجماعات الإسلامية موئلاً لمن يريد الفضيلة, ومن يريد الخير, ونموذجاً في القدوة وفي الاحتشام. عندما نقدم النموذج القوي الأمثل في عصر انحطاط وانحراف وإباحية وانحلال؛ فإننا بذلك نكسب مكاسب دعوية لا حصر لها، وهذه كما يبدو لي -والله تعالى أعلم- هي المقدمات التي تجعل هذا الدين يبلغ ما بلغ الليل والنهار بإذن الله تعالى، فكثير من الناس لم يسلموا لأنهم قرؤوا في العقيدة أو عن العقيدة، لكن المظاهر التي قد لا نأبه لها أحياناً، والتي يرونها "الروابط الأسرية" هي التي تجعل الإنسان الحائر الضائع؛ يجد أن هناك قيماً عظيمة جداً، وأنه لا يمكن أن يفرط فيها. رب كنوز لنا لا نعرف قدرها، ورب كنوز لنا دمرناها، وكثير من الناس يتكلم أن الأمة الإسلامية عندها الموارد العظمى؛ مثلاً: عندها البترول، وعندها القطن، وعندها المواقع المهمة, لكنها فرطت فيها، وهذا حق، لكن عندنا ما هو أكبر وأغلى وأعظم؛ وهو القيم الإيمانية والكنوز الإيمانية، ومع الأسف أن هناك من يفرط فيها أو يريد التفريط فيها.
  11. الحشمة لدى المسلمين في العصر السابق والحالي

    الشيخ: أنا أذكر مثالاً بسيطاً جداً -وأنا أحب دائماً الأمثلة المبسطة؛ لأنها تبقى في الذهن- أنا عشت في الرياض قبل يمكن عشرين سنة أو أكثر، وأذكر أني كنت أذهب إلى البطحاء، فألاحظ أن الأمهات يلبسن اللباس الطويل والواسع الجيد، وكنت أجد فيها الكثير من المحلات التي تبيع هذه الملابس الطويلة، لكن الآن لو ذهب أحد إلى هناك لن يجد تلك الملابس، بل سيجد الملابس الغربية القصيرة الضيقة في أي محل أزياء، وفي أي مكان، وفي أي شارع، لكن لو تبحث عن تلك الملابس الطويلة ربما يقولون: ربما يوجد محل أو محلان أو ثلاثة، لكن نتيجة الصحوة واليقظة الإيمانية -وهذا إن شاء الله موجود في بعض المحلات والمدن- أُفتتح محلاً -عمد- للحجاب والمحجبات وما أشبه ذلك، بمعنى آخر: بعد أن كانت الفضيلة ورمزها -ولا نعني أن الفضيلة هي اللباس, بل هو رمز لها ودليل عليها، والقلوب أحوالها عند الله- هي الأصل بسرعة شديدة انقلب الأمر.
    نحن مثلاً لا يلفت نظرنا كثيراً أن ترى امرأة لا يرى منها أي شيء، وإنما هي كتلة من السواد يمشي أمامك، وبجانبها ابنة أو طفلة في العاشرة أو الثامنة، وذراعاها مكشوفتان, وساقاها مكشوفتان، وشعرها على الطريقة الغربية، ربما أصبح مألوفاً لدينا، لكن أي إنسان يأتي من بلد بعيد يرى أن هذا يعطيه دلالات كثيرة وخطيرة؛ منها: أن هذا المجتمع الآن هناك جيل قديم ينقرض, وهنا جيل حديث يولد، هناك قيم يراد أن يتخلوا عنها لكن يصعب عليهم بحكم الإلف والعادة، وهناك جيل صاعد متفتح، إلى آخر ما يراد أن يفرض علينا؛ وهذا كما قلنا وذكر ذلك شيخ الإسلام رحمة الله عليه في اقتضاء الصراط المستقيم، وهو من أعظم من قدَّم التحليل الأول لهذه الظاهرة؛ علاقة الإيمان الظاهر بالإيمان الباطن, وارتباط هذين بعضهما ببعض.